شرح العقيدة الطحاوية وتحقيق هذا مما يبين فصل النزاع في أمر الله تعالى : هل هو مستلزم لإرادته أم لا ؟ فهو سبحانه أمر الخلق على ألسن رسله عليهم السلام بما ينفعهم ونهاهم عما يضرهم ، ولكن منهم من أراد أن يخلق فعله
صفحة 1 من اصل 1 • شاطر
شرح العقيدة الطحاوية وتحقيق هذا مما يبين فصل النزاع في أمر الله تعالى : هل هو مستلزم لإرادته أم لا ؟ فهو سبحانه أمر الخلق على ألسن رسله عليهم السلام بما ينفعهم ونهاهم عما يضرهم ، ولكن منهم من أراد أن يخلق فعله
#2519وتحقيق هذا مما يبين فصل النزاع في أمر الله تعالى : هل هو مستلزم لإرادته أم لا ؟ فهو سبحانه أمر الخلق على ألسن رسله عليهم السلام بما ينفعهم ونهاهم عما يضرهم ، ولكن منهم من أراد أن يخلق فعله ، فأراد سبحانه أن يخلق ذلك الفعل ويجعله فاعلا له . ومنهم من لم يرد أن يخلق فعله ، فجهة خلقه سبحانه لأفعال العباد وغيرها من المخلوقات ، غير جهة أمره للعبد على وجه البيان لما هو مصلحة للعبد أو مفسدة ، وهو سبحانه - إذا أمر فرعون وأبا لهب وغيرهما بالإيمان - كان قد بين لهم ما ينفعهم ويصلحهم إذا فعلوه ، ولا يلزم إذا أمرهم أن يعينهم ، بل قد يكون في خلقه لهم ذلك الفعل وإعانتهم عليه وجه مفسدة من حيث هو فعل له ، فإنه يخلق ما يخلق لحكمة ، ولا يلزم إذا كان الفعل المأمور به مصلحة للمأمور إذا فعله - أن يكون مصلحة للآمر إذا فعله هو أو جعل المأمور فاعلا له . فأين جهة الخلق من جهة الأمر ؟ فالواحد من الناس يأمر غيره وينهاه مريدا لنصحه ومبينا لما ينفعه ، وإن كان مع ذلك لا يريد أن يعينه على ذلك الفعل ، إذ ليس كل ما كان مصلحتي في أن آمر به غيري وأنصحه - يكون مصلحتي في أن أعاونه أنا عليه ، بل قد تكون مصلحتي إرادة ما يضاده . فجهة أمره لغيره نصحا غير جهة فعله لنفسه ، وإذا أمكن الفرق في حق المخلوقين فهو في حق الله أولى بالإمكان .
[ ص: 82 ] والقدرية تضرب مثلا بمن أمر غيره بأمره ، فإنه لا بد أن يفعل ما يكون المأمور أقرب إلى فعله ، كالبشر والطلاقة وتهيئة المساند والمقاعد ونحو ذلك .
فيقال لهم : هذا يكون على وجهين : أحدهما : أن تكون مصلحة الأمر تعود إلى الآمر ، كأمر الملك جنده بما يؤيد ملكه ، وأمر السيد عبده بما يصلح ملكه ، وأمر الإنسان شريكه بما يصلح الأمر المشترك بينهما ، ونحو ذلك .
الثاني : أن يكون الآمر يرى الإعانة للمأمور مصلحة له ، كالأمر بالمعروف ، وإذا أعان المأمور على البر والتقوى فإنه قد علم أن الله يثيبه على إعانته على الطاعة ، وأنه في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه . فأما إذا قدر أن الآمر إنما أمر المأمور لمصلحة المأمور ، لا لنفع يعود على الآمر من فعل المأمور ، كالناصح المشير ، وقدر أنه إذا أعانه لم يكن ذلك مصلحة للآمر ، وأن في حصول مصلحة المأمور مضرة على الآمر ، مثل الذي جاء من أقصى المدينة يسعى وقال لموسى عليه السلام : إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين ( القصص : 20 ) . فهذا مصلحته في أن يأمر موسى عليه السلام بالخروج ، لا في أن يعينه على ذلك ، إذ لو أعانه لضره قومه . ومثل هذا كثير .
وإذا قيل : إن الله أمر العباد بما يصلحهم ، لم يلزم من ذلك أن يعينهم على ما أمرهم به ، لا سيما وعند القدرية لا يقدر أن يعين أحدا [ ص: 83 ] على ما به يصير فاعلا . وإذا عللت أفعاله بالحكمة ، فهي ثابتة في نفس الأمر ، وإن كنا نحن لا نعلمها . فلا يلزم إذا كان في نفس الآمر له حكمة في الأمر أن يكون في الإعانة على فعل المأمور به حكمة ، بل قد تكون الحكمة تقتضي أن لا يعينه على ذلك ، فإنه إذا أمكن في المخلوق أن يكون مقتضى الحكمة والمصلحة أن يأمر لمصلحة المأمور ، وأن تكون الحكمة والمصلحة للآمر أن لا يعينه على ذلك : فإمكان ذلك في حق الرب أولى وأحرى .
والمقصود : أنه يمكن في حق المخلوق الحكيم أن يأمر غيره بأمر ولا يعينه عليه ، فالخالق أولى بإمكان ذلك في حقه مع حكمته . فمن أمره وأعانه على فعل المأمور كان ذلك المأمور به قد تعلق به خلقه وأمره إنشاء وخلقا ومحبة ، فكان مرادا بجهة الخلق ومرادا بجهة الأمر . ومن لم يعنه على فعل المأمور كان ذلك المأمور قد تعلق به أمره ولم يتعلق به خلقه ، لعدم الحكمة المقتضية لتعلق الخلق به ، ولحصول الحكمة المقتضية لخلق ضده . وخلق أحد الضدين ينافي خلق الضد الآخر ، فإن خلق المرض - الذي يحصل به ذل العبد لربه ودعاؤه وتوبته وتكفير خطاياه ويرق به قلبه ويذهب عنه الكبرياء والعظمة والعدوان - يضاد خلق الصحة التي لا تحصل معها هذه المصالح . ولذلك كان خلق ظلم الظالم - الذي يحصل به للمظلوم من جنس ما يحصل بالمرض - يضاد خلق عدله الذي لا يحصل به هذه المصالح ، وإن كانت مصلحته هو في أن يعدل .
وتفصيل حكمة الله عز وجل في خلقه وأمره ، يعجز عن معرفتها [ ص: 84 ] عقول البشر ، والقدرية دخلوا في التعليل على طريقة فاسدة : مثلوا الله فيها بخلقه ، ولم يثبتوا حكمة تعود إليه .
[ ص: 82 ] والقدرية تضرب مثلا بمن أمر غيره بأمره ، فإنه لا بد أن يفعل ما يكون المأمور أقرب إلى فعله ، كالبشر والطلاقة وتهيئة المساند والمقاعد ونحو ذلك .
فيقال لهم : هذا يكون على وجهين : أحدهما : أن تكون مصلحة الأمر تعود إلى الآمر ، كأمر الملك جنده بما يؤيد ملكه ، وأمر السيد عبده بما يصلح ملكه ، وأمر الإنسان شريكه بما يصلح الأمر المشترك بينهما ، ونحو ذلك .
الثاني : أن يكون الآمر يرى الإعانة للمأمور مصلحة له ، كالأمر بالمعروف ، وإذا أعان المأمور على البر والتقوى فإنه قد علم أن الله يثيبه على إعانته على الطاعة ، وأنه في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه . فأما إذا قدر أن الآمر إنما أمر المأمور لمصلحة المأمور ، لا لنفع يعود على الآمر من فعل المأمور ، كالناصح المشير ، وقدر أنه إذا أعانه لم يكن ذلك مصلحة للآمر ، وأن في حصول مصلحة المأمور مضرة على الآمر ، مثل الذي جاء من أقصى المدينة يسعى وقال لموسى عليه السلام : إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين ( القصص : 20 ) . فهذا مصلحته في أن يأمر موسى عليه السلام بالخروج ، لا في أن يعينه على ذلك ، إذ لو أعانه لضره قومه . ومثل هذا كثير .
وإذا قيل : إن الله أمر العباد بما يصلحهم ، لم يلزم من ذلك أن يعينهم على ما أمرهم به ، لا سيما وعند القدرية لا يقدر أن يعين أحدا [ ص: 83 ] على ما به يصير فاعلا . وإذا عللت أفعاله بالحكمة ، فهي ثابتة في نفس الأمر ، وإن كنا نحن لا نعلمها . فلا يلزم إذا كان في نفس الآمر له حكمة في الأمر أن يكون في الإعانة على فعل المأمور به حكمة ، بل قد تكون الحكمة تقتضي أن لا يعينه على ذلك ، فإنه إذا أمكن في المخلوق أن يكون مقتضى الحكمة والمصلحة أن يأمر لمصلحة المأمور ، وأن تكون الحكمة والمصلحة للآمر أن لا يعينه على ذلك : فإمكان ذلك في حق الرب أولى وأحرى .
والمقصود : أنه يمكن في حق المخلوق الحكيم أن يأمر غيره بأمر ولا يعينه عليه ، فالخالق أولى بإمكان ذلك في حقه مع حكمته . فمن أمره وأعانه على فعل المأمور كان ذلك المأمور به قد تعلق به خلقه وأمره إنشاء وخلقا ومحبة ، فكان مرادا بجهة الخلق ومرادا بجهة الأمر . ومن لم يعنه على فعل المأمور كان ذلك المأمور قد تعلق به أمره ولم يتعلق به خلقه ، لعدم الحكمة المقتضية لتعلق الخلق به ، ولحصول الحكمة المقتضية لخلق ضده . وخلق أحد الضدين ينافي خلق الضد الآخر ، فإن خلق المرض - الذي يحصل به ذل العبد لربه ودعاؤه وتوبته وتكفير خطاياه ويرق به قلبه ويذهب عنه الكبرياء والعظمة والعدوان - يضاد خلق الصحة التي لا تحصل معها هذه المصالح . ولذلك كان خلق ظلم الظالم - الذي يحصل به للمظلوم من جنس ما يحصل بالمرض - يضاد خلق عدله الذي لا يحصل به هذه المصالح ، وإن كانت مصلحته هو في أن يعدل .
وتفصيل حكمة الله عز وجل في خلقه وأمره ، يعجز عن معرفتها [ ص: 84 ] عقول البشر ، والقدرية دخلوا في التعليل على طريقة فاسدة : مثلوا الله فيها بخلقه ، ولم يثبتوا حكمة تعود إليه .
مواضيع مماثلة
» شرح العقيدة الطحاوية مسألة: الجزء الأول قوله : ( خالق بلا حاجة ، رازق بلا مؤونة ) ش : قال تعالى : وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين ( الذاريات : 56
» شرح العقيدة الطحاوية مسألة: والقرآن قد ضرب الله للناس فيه من كل مثل ، وهي المقاييس العقلية المفيدة للمطالب الدينية ، لكن القرآن يبين الحق في الحكم والدليل ،
» شرح العقيدة الطحاوية [ ص: 118 ] وإنما تنازعوا في المعدوم الممكن : هل هو شيء أم لا ؟ والتحقيق : أن المعدوم ليس بشيء في الخارج ، ولكن الله يعلم ما يكون قبل أن يكون ، ويكتبه ، وقد يذكره ويخبر به ، كقوله تعالى : إن زلزلة الس
» شرح العقيدة الطحاوية مسألة: الجزء الأول والقرآن مملوء من تقرير هذا التوحيد وبيانه وضرب الأمثال له . ومن ذلك أنه يقرر توحيد الربوبية ، ويبين أنه لا خالق إلا الله ، وأن ذلك مستلزم أن لا يعبد إلا الله ، فيجعل الأول دليلا ع
» شرح العقيدة الطحاوية مسألة: الجزء الأول ولكن يستعمل في ذلك قياس الأولى ، سواء كان تمثيلا أو شمولا ، كما قال تعالى : ولله المثل الأعلى ( النحل : 60 )
» شرح العقيدة الطحاوية مسألة: والقرآن قد ضرب الله للناس فيه من كل مثل ، وهي المقاييس العقلية المفيدة للمطالب الدينية ، لكن القرآن يبين الحق في الحكم والدليل ،
» شرح العقيدة الطحاوية [ ص: 118 ] وإنما تنازعوا في المعدوم الممكن : هل هو شيء أم لا ؟ والتحقيق : أن المعدوم ليس بشيء في الخارج ، ولكن الله يعلم ما يكون قبل أن يكون ، ويكتبه ، وقد يذكره ويخبر به ، كقوله تعالى : إن زلزلة الس
» شرح العقيدة الطحاوية مسألة: الجزء الأول والقرآن مملوء من تقرير هذا التوحيد وبيانه وضرب الأمثال له . ومن ذلك أنه يقرر توحيد الربوبية ، ويبين أنه لا خالق إلا الله ، وأن ذلك مستلزم أن لا يعبد إلا الله ، فيجعل الأول دليلا ع
» شرح العقيدة الطحاوية مسألة: الجزء الأول ولكن يستعمل في ذلك قياس الأولى ، سواء كان تمثيلا أو شمولا ، كما قال تعالى : ولله المثل الأعلى ( النحل : 60 )
للمشاركة انت بحاجة لتسجيل الدخول
اذا كنت لا تملك حساب على موقعنا فيمكنك انشاء حساب
صفحة 1 من اصل 1
تعليمات المشاركة فى هذا القسم:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى