شرح العقيدة الطحاوية مسألة: الجزء الأول فلما كان هذا الشرك في الربوبية موجودا في الناس ، بين القرآن [ ص: 39 ] بطلانه ، كما في قوله تعالى : ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بع
صفحة 1 من اصل 1 • شاطر
شرح العقيدة الطحاوية مسألة: الجزء الأول فلما كان هذا الشرك في الربوبية موجودا في الناس ، بين القرآن [ ص: 39 ] بطلانه ، كما في قوله تعالى : ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بع
#2453مسألة: الجزء الأول
فلما كان هذا الشرك في الربوبية موجودا في الناس ، بين القرآن [ ص: 39 ] بطلانه ، كما في قوله تعالى : ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض ( المؤمنون : 91 ) . فتأمل هذا البرهان الباهر ، بهذا اللفظ الوجيز الظاهر . فإن الإله الحق لا بد أن يكون خالقا فاعلا ، يوصل إلى عابده النفع ويدفع عنه الضر ، فلو كان معه سبحانه إله آخر يشركه في ملكه ، لكان له خلق وفعل ، وحينئذ فلا يرضى تلك الشركة ، بل إن قدر على قهر ذلك الشريك وتفرده بالملك والإلهية دونه فعل ، وإن لم يقدر على ذلك انفرد بخلقه وذهب بذلك الخلق ، كما ينفرد ملوك الدنيا بعضهم عن بعض بممالكه ، إذا لم يقدر المنفرد منهم على قهر الآخر والعلو عليه . فلا بد من أحد ثلاثة أمور :
إما أن يذهب كل إله بخلقه وسلطانه .
وإما أن يعلو بعضهم على بعض .
وإما أن يكونوا تحت قهر ملك واحد يتصرف فيهم كيف يشاء ، ولا يتصرفون فيه ، بل يكون وحده هو الإله ، وهم العبيد المربوبون المقهورون من كل وجه .
وانتظام أمر العالم كله وإحكام أمره ، من أدل دليل على أن مدبره إله واحد ، وملك واحد ، ورب واحد ، لا إله للخلق غيره ، ولا رب لهم سواه . كما قد دل دليل التمانع على أن خالق العالم واحد ، لا رب غيره ولا إله سواه ، فذاك تمانع في الفعل والإيجاد ، وهذا تمانع في [ ص: 40 ] العبادة والإلهية . فكما يستحيل أن يكون للعالم ربان خالقان متكافئان ، كذلك يستحيل أن يكون لهم إلهان معبودان .
فالعلم بأن وجود العالم عن صانعين متماثلين ممتنع لذاته ، مستقر في الفطر معلوم بصريح العقل بطلانه ، فكذا تبطل إلهية اثنين . فالآية الكريمة موافقة لما ثبت واستقر في الفطر من توحيد الربوبية ، دالة مثبتة مستلزمة لتوحيد الإلهية .
وقريب من معنى هذه الآية قوله تعالى : لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ( الأنبياء : 22 ) . وقد ظن طوائف أن هذا دليل التمانع الذي تقدم ذكره ، وهو أنه لو كان للعالم صانعان . . . . . الخ ، وغفلوا عن مضمون الآية ، فإنه سبحانه أخبر أنه لو كان فيهما آلهة غيره ، ولم يقل : أرباب .
وأيضا فإن هذا إنما هو بعد وجودهما ، وأنه لو كان فيهما وهما موجودتان آلهة سواه لفسدتا .
وأيضا فإنه قال : لفسدتا ، وهذا فساد بعد الوجود ، ولم يقل : لم يوجدا .
ودلت الآية على أنه لا يجوز أن يكون فيهما آلهة متعددة ، بل لا يكون الإله إلا الواحد ، وعلى أنه لا يجوز أن يكون هذا الإله الواحد إلا الله سبحانه وتعالى ، وأن فساد السماوات والأرض يلزم من كون [ ص: 41 ] الآلهة فيهما متعددة ، ومن كون الإله الواحد غير الله وأنه لا صلاح لهما إلا بأن يكون الإله فيهما هو الله وحده لا غيره . فلو كان للعالم إلهان معبودان لفسد نظامه كله ، فإن قيامه إنما هو بالعدل ، وبه قامت السماوات والأرض .
وأظلم الظلم على الإطلاق الشرك ، وأعدل العدل التوحيد .
فلما كان هذا الشرك في الربوبية موجودا في الناس ، بين القرآن [ ص: 39 ] بطلانه ، كما في قوله تعالى : ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض ( المؤمنون : 91 ) . فتأمل هذا البرهان الباهر ، بهذا اللفظ الوجيز الظاهر . فإن الإله الحق لا بد أن يكون خالقا فاعلا ، يوصل إلى عابده النفع ويدفع عنه الضر ، فلو كان معه سبحانه إله آخر يشركه في ملكه ، لكان له خلق وفعل ، وحينئذ فلا يرضى تلك الشركة ، بل إن قدر على قهر ذلك الشريك وتفرده بالملك والإلهية دونه فعل ، وإن لم يقدر على ذلك انفرد بخلقه وذهب بذلك الخلق ، كما ينفرد ملوك الدنيا بعضهم عن بعض بممالكه ، إذا لم يقدر المنفرد منهم على قهر الآخر والعلو عليه . فلا بد من أحد ثلاثة أمور :
إما أن يذهب كل إله بخلقه وسلطانه .
وإما أن يعلو بعضهم على بعض .
وإما أن يكونوا تحت قهر ملك واحد يتصرف فيهم كيف يشاء ، ولا يتصرفون فيه ، بل يكون وحده هو الإله ، وهم العبيد المربوبون المقهورون من كل وجه .
وانتظام أمر العالم كله وإحكام أمره ، من أدل دليل على أن مدبره إله واحد ، وملك واحد ، ورب واحد ، لا إله للخلق غيره ، ولا رب لهم سواه . كما قد دل دليل التمانع على أن خالق العالم واحد ، لا رب غيره ولا إله سواه ، فذاك تمانع في الفعل والإيجاد ، وهذا تمانع في [ ص: 40 ] العبادة والإلهية . فكما يستحيل أن يكون للعالم ربان خالقان متكافئان ، كذلك يستحيل أن يكون لهم إلهان معبودان .
فالعلم بأن وجود العالم عن صانعين متماثلين ممتنع لذاته ، مستقر في الفطر معلوم بصريح العقل بطلانه ، فكذا تبطل إلهية اثنين . فالآية الكريمة موافقة لما ثبت واستقر في الفطر من توحيد الربوبية ، دالة مثبتة مستلزمة لتوحيد الإلهية .
وقريب من معنى هذه الآية قوله تعالى : لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ( الأنبياء : 22 ) . وقد ظن طوائف أن هذا دليل التمانع الذي تقدم ذكره ، وهو أنه لو كان للعالم صانعان . . . . . الخ ، وغفلوا عن مضمون الآية ، فإنه سبحانه أخبر أنه لو كان فيهما آلهة غيره ، ولم يقل : أرباب .
وأيضا فإن هذا إنما هو بعد وجودهما ، وأنه لو كان فيهما وهما موجودتان آلهة سواه لفسدتا .
وأيضا فإنه قال : لفسدتا ، وهذا فساد بعد الوجود ، ولم يقل : لم يوجدا .
ودلت الآية على أنه لا يجوز أن يكون فيهما آلهة متعددة ، بل لا يكون الإله إلا الواحد ، وعلى أنه لا يجوز أن يكون هذا الإله الواحد إلا الله سبحانه وتعالى ، وأن فساد السماوات والأرض يلزم من كون [ ص: 41 ] الآلهة فيهما متعددة ، ومن كون الإله الواحد غير الله وأنه لا صلاح لهما إلا بأن يكون الإله فيهما هو الله وحده لا غيره . فلو كان للعالم إلهان معبودان لفسد نظامه كله ، فإن قيامه إنما هو بالعدل ، وبه قامت السماوات والأرض .
وأظلم الظلم على الإطلاق الشرك ، وأعدل العدل التوحيد .
مواضيع مماثلة
» شرح العقيدة الطحاوية مسألة: الجزء الأول وكثير من أهل النظر يزعمون أن دليل التمانع هو معنى قوله تعالى : لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ( الأنبياء : 22 ) . لاعتقادهم أن توحيد الربوبية الذي قرروه هو توحيد الإلهية الذي ب
» شرح العقيدة الطحاوية مسألة: الجزء الأول قوله : ( قديم بلا ابتداء ، دائم بلا انتهاء ) ش : قال الله تعالى : هو الأول والآخر ( الحديد : 3 ) .
» شرح العقيدة الطحاوية مسألة: الجزء الأول والقرآن مملوء من تقرير هذا التوحيد وبيانه وضرب الأمثال له . ومن ذلك أنه يقرر توحيد الربوبية ، ويبين أنه لا خالق إلا الله ، وأن ذلك مستلزم أن لا يعبد إلا الله ، فيجعل الأول دليلا ع
» شرح العقيدة الطحاوية مسألة: الجزء الأول قوله : ( ولا شيء يعجزه ) . ش : لكمال قدرته . قال تعالى : إن الله على كل شيء قدير ( البقرة : 20 ) . وكان الله على كل شيء مقتدرا ( الكهف : 45 ) . وما كان الله ليعجزه من شيء في السما
» علوم القرآن أسباب النزول...مسألة: الجزء الأول ... قوله تعالى : ( إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ) الآية ، إلى قوله تعالى : ( ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا ) . الآيتان : [ 105
» شرح العقيدة الطحاوية مسألة: الجزء الأول قوله : ( قديم بلا ابتداء ، دائم بلا انتهاء ) ش : قال الله تعالى : هو الأول والآخر ( الحديد : 3 ) .
» شرح العقيدة الطحاوية مسألة: الجزء الأول والقرآن مملوء من تقرير هذا التوحيد وبيانه وضرب الأمثال له . ومن ذلك أنه يقرر توحيد الربوبية ، ويبين أنه لا خالق إلا الله ، وأن ذلك مستلزم أن لا يعبد إلا الله ، فيجعل الأول دليلا ع
» شرح العقيدة الطحاوية مسألة: الجزء الأول قوله : ( ولا شيء يعجزه ) . ش : لكمال قدرته . قال تعالى : إن الله على كل شيء قدير ( البقرة : 20 ) . وكان الله على كل شيء مقتدرا ( الكهف : 45 ) . وما كان الله ليعجزه من شيء في السما
» علوم القرآن أسباب النزول...مسألة: الجزء الأول ... قوله تعالى : ( إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ) الآية ، إلى قوله تعالى : ( ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا ) . الآيتان : [ 105
للمشاركة انت بحاجة لتسجيل الدخول
اذا كنت لا تملك حساب على موقعنا فيمكنك انشاء حساب
صفحة 1 من اصل 1
تعليمات المشاركة فى هذا القسم:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى